قراءة كتاب دور الوقف في التنمية والتجدد الحضاري - قراءة معاصرة د. برهان زريق اون لاين

الرئيسية / د. برهان زريق / دور الوقف في التنمية والتجدد الحضاري - قراءة معاصرة
كتاب دور الوقف في التنمية والتجدد الحضاري - قراءة معاصرة لـ د. برهان زريق

كتاب دور الوقف في التنمية والتجدد الحضاري - قراءة معاصرة

الكاتب د. برهان زريق

كتاب دور الوقف في التنمية والتجدد الحضاري - قراءة معاصرة لـ د. برهان زريق
القسم : القسم العام
لغة الملف : العربية
عدد الصفحات : 0
سنة النشر : غير معروف
حجم الكتاب : 0.1 ميجا بايت
نوع الملف : PDF

قراءة كتاب دور الوقف في التنمية والتجدد الحضاري - قراءة معاصرة pdf إذا استثنينا مظاهر الطبيعة، فإن كل ما يتحرك في الكون الاجتماعي، إنما مرده وعلته الفاعلة والغائية، الثقافة.
هذه الفاعلية الكبرى للثقافة حدت أحد المفكرين لإطلاق جهاز مفهومي مستحدث وسمه بعنوان: ثقافة الموت، وثقافة الحياة، قاصداً من الثقافة الأولى، تلك الثقافة الداكنة الظلامية التي تقود إلى الانحطاط والتقهقر، يقابل ذلك ثقافة ترقى بالأمة إلى مراقي الازدهار والفوز بالسؤدد والفلاح.
هكذا أصر المفكر الأمريكي "هنتنجتن" على أن الصراع الثقافي هو الذي سيعلو وجه المستقبل، وإن كـان علينا أن لا ننسى أن استقراءاته الحضارية أكدت وجود ثماني حضارات، منها الحضارة العربية الإسلامية.
ولا نبالغ أن نؤكد بأن حضارتنا متاح لها - بسبب ماهيتها وطبيعتها الذاتية - أن تحتل الموقع الأهم، وتلعـب الدور الأكبر في المصير الإنساني العام، وفي ترسيخ الشرط البشري وتأصيل الأنسنة وكرامة الفرد وعلويته وعزته.
وليـس ذلك عجباً، فهذه الحضارة ربطت مصيرها وحياتها ووجودها بكلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الاعتبار والميزان هي كلمة "اقرأ"، ذلك الرشم (الأثر) الذي تخلقت عليه، وأبدعت شجرتها الوارفة في كنفه، قاصدين بكلمة اقرأ لبس التلاوة، وإنما ما تمخض عنه الوحي - الحقيقة من مفاهيم الوجود والمصير الإنساني والشرط البشري والمشروطية الاجتماعية والتاريخية.
ذلك أن حضارة اقرأ ترسي قيم العدل والمساواة والتقوى، وأصل الإحسان، وأصل الاستخلاف، وأصل عمران الكون والإيمان بالأصل المشترك للبشر" إنَا خلقناكم من ذكر وأنثى…" الحجرات/13، وأصل الدعوة إلى كلمة السواء "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم…" آل عمران / 64، وأصل بذل السلام للعالـم، وأصل الخير الإنساني الشامل "أقربكم إلى ربكم أنفعكم لعياله"، وأصل عصمة النفس الإنسـانية وصيانة الحياة، وأصل الدين الواحد مع اختلاف الوسيلة " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجـاً.." المائدة/48، وأصل حقوق الإنسان "إنَ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى.."/طه 119.
وحضارة اقرأ تندد بالقهر والتسلط، وهو ما عبر عنه بالقيصرية والكسروية.
وجذر الخيرية في هذه الحضارة راسخ وطيد يقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إحسان بين الناس…"/ النساء114.
وأساس كل سلطة في هذه الحضارة هو إعمار الأرض، قال تعالى:" هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها.." / هود 61.
والحضارة المذكورة مندوبة لرفع الظلم، قال تعالى: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين في الأرض من الرجال والنساء والولدان" /النساء 35.
والإصلاح هو غاية الحياة الإنسانية، قال تعالى:" وأصلحوا ذات بينكم"/الأنفال8.
وهذه الحضارة تندد بالفساد والإفساد، قال تعالى:" إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها" / البقرة205.
وهي تحض على التعاون، قال تعالى:" وتعاونوا على البر واتقوى.." / المائدة 2.
والعزة مبدأ أساس، قال تعالى:" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين"/ المنافقون8.
هكذا تتحدد في هذه الحضارة جدلية الانتماء إلى المسيرة الكونية "الحضارة العالمية" على الصورة الآتية: يرسي الإسلام الحقيقة العالمية التي جعلت من القرآن الكريم ميثاقاً دولياً في المقام الأول، بمقتضى خصائص تشريعية من الشمول والعالمية والإنسانية.
لكن هذه العالمية تقوم على ابتلاء الأفراد والجماعات في الإرادة والعقل والضمير من أجل إعلاء مملكة الخير، ومرقاة لإعلاء الصالح الإنساني العام: السابقون السابقون أولئك المقربون (الواقعة) - سارعوا إلى مغفرة من ربكم (آل عمران) - يسارعون في الخيرات(المؤمنون) - فلا اقتحم العقبة (البلد).
وبذلك فالعلاقة لا تقوم - حسب قول فوكوياما وهنتنجتن وأضرابهما -على زعم التفوق والتفرد والأفضلية.
لقد كان في وسع الله تعالى أن يجعل الناس أمة واحدة، لكنه شاء أن يبلوهم فيما أتاهم عقلاً وإرادة، قال تعالى: "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوهم فيما آتاهم" المائدة/ 48.
والخلاصـة، فحضارة "اقرأ" مدعوة إلى عالمية مؤنسنة تلعب فيها الدور الريادي امتثالاً لحقيقة التكليف الإلهي: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.."/ آل عمران110.
في هذه العالمية نأخذ ونعطي، نأخذ من الإرث الحضاري الإنساني العام، ونعطي ما عندنا من تراث الحق والخير والتقوى والإحسان رائدنا في ذلك رسول الرحمة المهداة، وبذل السلام للعالم، وآلية ذلك الأصول التي سبق الإلماح إليها، أما نطاق هذه الرسالة، فهو المسكونة التي هي ملك الله استخلف الإنسان عليها لوجهه وابتغاء مرضاته، قال تعالى:" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور…" الملك15.
إذن فالمسكونة كلها في هذه الحضارة هي الوطن الكبير، قال تعالى:" ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" /النساء 97.
هذا غيض من فيض من سمات حضارتنا، أما أمة اقرأ -الأمة العربية الإسلامية، فهي مندوبة إلى حمل هذه المبادئ والأصول، قال تعالى:" إنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون"/ الزخرف44.
إن أمتنا تمتلك رأسمالاً روحياً وخلقياً وثقافياً ثراً وفذاً، وقد نفخت فيه من روحها السمحة المعطاء، فتولـد من ذلك هذا المركب الحضاري العربي الإسلامي الممراع، وهذا ما يؤهل أمتنا العظيمة - إذا ما وعت روحها وتصالحت مع ذاتها- أن تلعب دوراً هاماً في قيادة قاطرة المسكونة وبناء الصرح العمراني الحضاري الإنساني العام، على قاعدة: فليتنافس المتنافسون، وقاعدة: دع الزهور تتفتح ولنتبارك.
ذلك أن هذه الأرض هي -لحضارتنا- دار دعوة وعطاء، وليست دار حرب وصراع، ومن مثل هذه الحضارة في العطاء حتى مما تحب، قال تعالى:" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
كيف نستطيع سبر أغوار تلك الحضارة والوصول إلى أعماقها واقتطاف ثمارها اليانعة؟؟؟.
إنه عمل شاق وقد يحتاج إلى ورشة عمل فكرية ضخمة للوصول إلى اللآلئ لذلك فقد اكتفينا بأن نسـتروح أريج زهرة واحدة من روضتها وغرسة من مشتلها الأصيل، هذه الغرسة هي ظاهرة الوقف التي تبرعمت ونمت واستوت على سوقها في لب لباب هذه الحضارة، فجاءت مخاضاً وتعبيراً شفافاً وصادقاً عن روحها وكانت طيبة كطيب الأم، قال تعالى:" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، وما خبث لا يخرج إلا نكدا…" الأعراف58 .
ونحن لا نستهين - وكما سيتضح من تلك الدراسة- بهذا الأنموذج المختار، سندنا في ذلك، قول الشاعر أبو تمام:
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً للندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنور مثلاً من المشكاة والنبراس.
هذا هو موضوع البحث، وتلك وجهته ومبتغاه، ومنتهى أمره، أنموذج فذ يسطع بالضياء نقدمه للحياة والعالم والإنسانية تدليلاً بحضارة سطعت على الدنيا بأشرف الغايات وأنبل المقاصد وأسمى المرتجى والوعد والأمل، وهي قادرة على أن تنير الدجى بمزيد من العطاء والحب والحياة، كل ذلك إيماناً منا بأن أية حقيقة تبقى منتقصة خارج حقيقة هذه الأمة، وأن الخطوة الأولى لكل مبادرة تاريخية أو فعل حضاري، إنما هي بناء هذه الأمة، وأن الخطوة الأولى في بناء هذه الأمة هو خلقها وعياً، قال تعالى:" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"/ الأنبياء 92.
يقول الشاعر عمر الخيام:
إن تفصل القطرة عن بحرها ففي مداه منتهى أمرها
أجل لقد خلقت القطرة لتكون صاحبة رسالة ووعي، ووعيها أن تصب في حضن أمها، أما وعينا، فهو الالتزام بأمتنا التزاماً خلقياً، والتزام حب وعبادة.
أما موضوعات هذا البحث، فقد تبلورت في ثلاثة فصول: الفصل التمهيدي، فقد كان بحثاً في المنهج، حيث دللنا بإشادة نظرية حضارية للوقف، وليس نظرية تقنوية فنية خرساء صامتة تقوم على الكم، وتنطق باعتبارات الصياغة والتبويب والتصنيف، بل هي نظرية ولهي بالتقاط المعاني الكلية والمدلولات الشاملة.
أما الفصل الأول، فقد استهدف الحفر والتنقيب والحرث في طبقات النظام القدروي، والكشف عن موائل القدرة ومساربها وعروقها، توطئة وإرهاصاً لتلمس نظام القدرة في الوقف، وتلمس الدور التنموي العام، والشامل الذي يمارسه الوقف في حياتنا العامة.
أما الفصل الثاني فقد كرس للتأسيس، حيث قسم إلى الأبحاث الآتية:
 التأسيس الاجتماعي للوقف، حيث ربط الوقف، وغرس في أرومته الاجتماعية سواء في المجتمع المدني أم السياسي، وما يترتب على ذلك من نتائج.
 التأسيس السياسي، وهو تأسيس علائقي لهذه الظاهرة مع الظاهرة السياسية.
 التأسيس الحضاري، وهو تأسيس واعد وطموح، يرى أن حضارتنا استجمعت قواها، وأفصحت عن نفسها في عدة مؤسسات، وما الوقف إلا إحدى هذه التجليات والإفصاح.
 التأسيس الإداري، وهنا قمنا بدراسة نظام الوقف بصفته ظاهرة إدارية، وما يتفرع على ذلك من نتائج أخصها اعتباره مؤسسة خاصة ذات نفع عام، وما ترتبه هذه النتيجة من آثار هامة في مطلعها إصلاح الوقف.
 وفي الأبحاث الأخيرة تكلمنا على عدة أمور، منها استعراض محاولات الإصلاح المعاصرة للوقف، ثم دراسة أهداف الوقف، لاسيما الأهداف الإنسانية الكبرى، ثم استشراف أفق جديد يجعل من الوقف خطاباً إنسانياً عاماً، وليس وقفا" على المسلمين فحسب، وإن كان المسلمون –وهم المنفقون المعطون الوحيدون- يلعبون الدور الأهم في حياته ووجوده ونجاحه.
وأخيراً فقد تم إلقاء الضوء على أهمية الوقف ودوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية مع التركيز على دوره في التجديد الحضاري لأمتنا، والله المستعان ومنتهى القصد والرجاء.
الوقف تلك الفضيلة الاسلامية التي كانت في يوم من الأيام معلماً بارزاً في المجتمع الاسلامي أريد لها أن تتعطل، بفعل فاعل، بل وتداعى بعض من طيور الظلام من حكام ومحكومين بالتسلط على الأوقاف وتصفيتها وتفريغ الوقف من محتواه ودوره المجتمعي العظيم، الكتاب يلقي الضوء على دور الوقف ماضياً ودوره المنشود حاضراً في تجدد الأمة.
هذا الكتاب
إن أمتنا تمتلك رأسمالاً روحياً وخلقياً وثقافياً ثراً وفذاً، وقد نفخت فيه من روحها السمحة المعطاء، فتولـد من ذلك هذا المركب الحضاري العربي الإسلامي الممراع، والسؤال كيف نستطيع سبر أغوار تلك الحضارة والوصول إلى أعماقها واقتطاف ثمارها اليانعة؟؟؟.
إنه عمل شاق وقد يحتاج إلى ورشة عمل فكرية ضخمة للوصول إلى اللآلئ لذلك فقد اكتفينا بأن نسـتروح أريج زهرة واحدة من روضتها وغرسة من مشتلها الأصيل، هذه الغرسة هي ظاهرة الوقف التي تبرعمت ونمت واستوت على سوقها في لب لباب هذه الحضارة، فجاءت مخاضاً وتعبيراً شفافاً وصادقاً عن روحها وكانت طيبة كطيب الأم، قال تعالى:" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، وما خبث لا يخرج إلا نكدا…" 58 .

عرض المزيد
الزوار ( 414 )

عن الكاتب د. برهان زريق